استمرار تأجيج الحرب في أوكرانيا
24-سبتمبر-2024علي اليوسف
عناية ناصر
كثفت الولايات المتحدة وبريطانيا في الآونة الأخيرة تأجيج نيران الحرب في أوكرانيا ما يؤدي إلى تقويض مفاوضات السلام، وإلى تفاقم تصعيد الحرب التي تتحمل أوكرانيا تبعاتها الهائلة وتكلفتها الكبيرة في نهاية المطاف.
وفي هذا السياق أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال زيارتهما المشتركة الأخيرة للبلد الذي مزقته الحرب،عن تقديم حزم مساعدات جديدة لأوكرانيا، والتي تعتبر الزيارة الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد من الزمان. ووفقاً للعديد من التقارير الصادرة، ستمنح الولايات المتحدة أوكرانيا 700 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية ومساعدات في مجال الطاقة، بينما ستخصص المملكة المتحدة ما يقرب من 800 مليون دولار كدعم مالي وإمدادات تتعلق بالمعدات العسكرية.
ولكن من المثير للجدل أن هذه الزيارة النادرة جاءت في الوقت الذي تدخل فيه الحرب لحظة حرجة وفقاً للعديد من الحلفاء الغربيين، وهي زيارة لا تهدف إلى إحلال السلام. وفي هذا الشأن يشير العديد من الخبراء إلى أن هذه الزيارة تعكس موقفاً سياسياً واضحاً للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث يرد الطرفان ضمان تبني أوكرانيا لموقف متشدد واستنزاف روسيا عسكريًا من خلال المساعدات الغربية لأوكرانيا. فبالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن محادثات السلام ليست حتى خياراً، فنيتهم الحقيقية هي تأجيج نيران الحرب، وضمان استمرار أوكرانيا في العمل كبيدق في هذا الصراع الطويل الأمد.
لقد استمرت أزمة أوكرانيا الآن لأكثر من عامين ونصف العام، وبسبب التدخل العلني والسري من جانب الدول الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على وجه التحديد، ضاعت فرص السلام مراراً وتكراراً، ومما يدلل على ذلك اعتراف السفيرة الأمريكية السابقة لدى حلف شمال الأطلسي فيكتوريا نولاند بأن الولايات المتحدة وحلفاءها ضغطوا على أوكرانيا لرفض اتفاق السلام مع روسيا في عام 2022.
وفي سياق متصل قال السياسي الأوكراني ديفيد أراخميا أيضا ًإن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون زار كييف في عام 2022 لإبلاغ المسؤولين الأوكرانيين بأن الغرب لن يوقع على أي اتفاق مع موسكو، وحث على مواصلة الحرب.
كان الشعب الأوكراني هو الذي يدفع ثمن التحريض على “مواصلة القتال”، في حين تواصل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتان تواصلان تأجيج النيران، حساب المكاسب السياسية والاقتصادية التي قد تجنيانها. فبالنسبة للولايات المتحدة، تسبب “اقتصاد الحرب” الذي تخدمه مصالحها الذاتية في أضرار ومعاناة هائلة للعديد من البلدان، في حين جلب في الوقت نفسه أرباحاً هائلة للمجمع العسكري الصناعي الأمريكي، مما أدى إلى تعزيز حلقة مفرغة بين “الحرب والربح”.
وعليه ليس من المستغرب أن يصرح المرشح الرئاسي الأمريكي المستقل روبرت إف. كينيدي الابن ذات مرة بشكل علني أن الولايات المتحدة تعطل مفاوضات السلام، لأن واشنطن “أرادت الحرب”. وباعتبارها في الصدارة بالنسبة للولايات المتحدة في محاولة احتواء روسيا، فقد اتبعت المملكة المتحدة واشنطن عن كثب في دعمها العسكري لأوكرانيا، على أمل الحصول على المزيد من المكاسب والنفوذ من أزمة أوكرانيا مع إظهار مكانتها كقوة عظمى، وقدرتها على الحفاظ على السيطرة على الأمن الأوروبي.
تجدر الإشارة إلى أن استمرار المملكة المتحدة في تسليح أوكرانيا لم يكن دون ثمن، ففي الوقت الذي تستفيد فيه الولايات المتحدة بشكل هائل، زادت التأثيرات غير المباشرة لأزمة أوكرانيا من خطر الركود التضخمي في المملكة المتحدة، كما أدت المساعدات العسكرية الهائلة إلى تفاقم الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد، مع استمرار ازدياد السخط الاجتماعي.
ومع جر الولايات المتحدة لأوروبا إلى دوامة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وعدم قدرتها على تحرير نفسها، لا بد للمملكة المتحدة أن تدرس بعناية مكاسبها وخسائرها الحقيقية، بسبب تتبع خطى واشنطن.
ومن المفارقات أنه في حين تنشغل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتأجيج الصراع وعرقلة محادثات السلام، فإنهما تواصلان اتهام الصين بلا أدلة بدعم العمليات العسكرية الروسية، فخلال المؤتمر الصحفي المشترك بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذي عقد مؤخراً، ذكر بلينكن مرة أخرى “دعم الصين” بينما تظهر الحقائق أن الصين ليست طرفاً في أزمة أوكرانيا، وهي ملتزمة بتعزيز المحادثات من أجل السلام. وباعتبارها المحرض الحقيقي للصراع بين روسيا وأوكرانيا، فلا ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يلقوا بالمسؤولية عن المشاكل التي خلقوها على الصين، حيث أن محاولاتهم لتشويه سمعة الصين ظلماً، وتصوير أنفسهم على أنهم “مدافعون عن السلام” سوف تذهب هباء.